أنواع الطواف حول الكعبة وبيان حكم كل نوع

الطواف حول الكعبة
الطواف حول الكعبة

وردت أحاديث صحيحة تدل على فضل الطواف حول الكعبة  وأنه يعادل عتق رقبة، والطواف حول الكعبة يكون 7 أشواط، ويشترط فيه الطهارة، والطواف من أركان الحج والعمرة، فلا يصحان إلا به.

فضل الطواف حول الكعبة 

الطواف بالبيت العتيق من شعائر الإسلام التي يثاب المسلم على فعلها بكافة أنواعه فرضًا كان أو نفلًا، وهو من أفضل القربات وأعظمها، وأكثر المناسك عملًا وأرفعها، قال الله تعالى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [الحج: 26]، وقال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].

اقرأ أيضاً|القدرة المالية والبدنية.. ماهي شروط وأشهر الحج؟

أنواع الطواف حول الكعبة 

 يمكن تقسيم الطواف إلى قسمين:

القسم الأول: طواف النُسُك: وهو أنواعٌ، وكلُّ نوعٍ له حكمه.

مفهوم طواف القدوم وبيان حكمه

أول أنواع طواف النُسُك: طواف القدوم:

وهو: الذي يفعله القادم إلى مكة مِن غير أهلها، ويُسمَّى طواف القادم، وطواف الورود، وطواف الوارد، وطواف التحية؛ كما في "المجموع" للإمام النووي (8/ 12، ط. دار الفكر).

وهو متصَوَّرٌ في حقِّ الحاج الذي موطنه خارج منطقة المواقيت -ما يُسمَّى "الآفاقي"- إذا كان مُفْرِدًا أو قَارِنًا، بخلاف المكي فلا يُتصور في حقِّه؛ إذ لا قدوم له، وأما المحرم بالعمرة فلا يُتصور في حقِّه أيضًا؛ لأنه إذا طاف للعمرة أجزأه عن طواف القدوم، ووقع عن طواف العمرة والقدوم معًا، مثلما تجزئ الصلاة المفروضة عن الفرض وتحية المسجد.

وحكمه: أنه سُنَّة عند جماهير الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة؛ تحيةً للبيت العتيق، ولا شيء على مَن تركه، بل حجُّه صحيح، غير أنه قد فاتته الفضيلة، وهذا هو المختار للفتوى.

فعن أمِّ المؤمنين السيدة عائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنهَا أنها قالت: «إنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ» أخرجه البخاري في "الصحيح".

قال بدر الدين العَيْنِي الحنفي في "البناية" (4/ 201-202، ط. دار الكتب العلمية): [م: (وهو) ش: أي طواف القدوم م: (سنة وليس بواجب) ش: أي طواف القدوم ليس بواجب عندنا] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 12): [(وأما) طواف القدوم فسُنَّة ليس بواجب، فلو تركه فحجه صحيحٌ، ولا شيء عليه، لكنه فاتته الفضيلة، هذا هو المذهب، ونص عليه الشافعي، وقطع به جماهير العراقيين والخراسانيين] اهـ.

وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير" (3/ 382، ط. دار الكتاب العربي): [إن كان مفردًا أو قارنًا بدأ بطواف القدوم، وهي سنة بغير خلاف] اهـ.


مفهوم طواف الإفاضة وبيان حكمه

ثاني أنواع طواف النسك: طواف الإفاضة:

وهو الطواف الذي يؤديه الحاج بعد أن يفيض من عرفة، ويبيت بالمزدلفة ولو بمقدار "حط الرحال"، ويسمَّى أيضًا طواف الزيارة؛ لأن الحاج يأتي من منى لزيارة البيت وطواف الفرض والركن.

قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 12): [(وأما) طواف الإفاضة، فله أيضًا خمسة أسماء: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الفرض، وطواف الركن، وطواف الصَّدَر -بفتح الصاد والدال- (وأما) طواف الوداع، فيقال له أيضًا: طواف الصَّدَر] اهـ.

وحكمه: ركن من أركان الحج بإجماع الفقهاء، لا يمكن بدونه أن يتحلَّل الحاج التحلل الأكبر، ولا ينوب عن هذا الطواف شيء ألبتة.

قال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].

قال الإمام الطبري في "تفسيره" (18/ 615، ط. مؤسسة الرسالة): [وعني بالطواف الذي أمر جلَّ ثناؤه حاجٌّ بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يُطاف به بعد التعريف، إما يوم النحر وإما بعده، لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك] اهـ.

وقال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 58، ط. دار المسلم): [أجمعوا أن الطواف الواجب هو طواف الإفاضة] اهـ.


مفهوم طواف الوداع وبيان حكمه

ثالث أنواع طواف النسك: طواف الوداع:

وهو: الذي يطوفه الآفاقي قُبَيْلَ خروجه من الحرم إلى وطنه وبلاده، ويكون آخر عهده بالبيت.

وحكمه: أنه سنة، وهو مذهب المالكية، وداود، وابن المنذر، ومجاهد في رواية عنه، وقول للشافعية، ولا شيء على مَن تركه، بل حجه صحيح، غير أنه قد فاتته الفضيلة، وهذا هو المختار للفتوى.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون كلَّ وجهٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَنْفِرْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» متفقٌ عليه.

وعنه أيضًا قَال: "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"؛ فرخَّص للحائض في تركه ولم يأمرها بدم ولا نحوه، ممَّا يدل على سُنِّيَّته؛ لأنه لو كان واجبًا لأوجب على الحائض دمًا بتركه.

وعَنْ أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَرَادَ مِن صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِهِ، فَقَالُوا: إِنَّهَا حَائِضٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَإِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَومَ النَّحْرِ، قَالَ: «فَلْتَنفِرْ مَعَكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (2/ 293، ط. مطبعة السعادة): [فوجه الدليل من الحديث: أنه خاف ألَّا تكون طافت للإفاضة، وأن يحبسهم ذلك بمكة، فلما أخبر أنها قد أفاضت، قال: اخرجوا، ولم يحبسهم لعذر طواف الوداع على صفية كما خاف أن يحبسهم لعذر طواف الإفاضة] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 53، ط. دار الفكر): [(و) ندب لِمَن خرج من مكة ولو مكيًّا، أو قدم إليها بتجارة (طواف الوداع إن خرج) أي: أراد الخروج (لِكَالجُحْفَةِ) ونحوها من بقية المواقيت، أراد العود أم لا، إلا المتردد لِمَكَّةَ لِحَطَبٍ ونحوه؛ فلا وداع عليه] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 253): [(إذا فرغ من الحج وأراد المقام بمكة: لم يُكَلَّف طواف الوداع، فإن أراد الخروج: طاف للوداع وصلَّى ركعتي الطواف، وهل يجب طواف الوداع أم لا؟ فيه قولان:.. (والثاني): لا يجب؛ لأنه لو وجب لم يجز للحائض تركه.. (وإن قلنا) لا يجب: لم يجب بتركه دم؛ لأنه سُنَّة، فلا يجب بتركه دم؛ كسائر سنن الحج] اهـ.

وقال أيضًا في "المجموع" (8/ 284): [قال مالك وداود وابن المنذر: هو سُنَّةٌ لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين] اهـ.

مفهوم طواف العمرة وبيان حكمه

رابع أنواع طواف النسك: طواف العمرة:

وهو: الذي يفعله المعتمر الطواف حول الكعبة  بعد إحرامه بالعمرة.

وحكمه: أنه ركنٌ في العمرة باتفاق الفقهاء، لا تصح إلَّا به.

قال علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 227، ط. دار الكتب العلمية) في العمرة: [(وأما) ركنها: فالطواف؛ لقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]؛ ولإجماع الأمة عليه] اهـ.

وقال العلَّامة الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (3/ 64، ط. دار الفكر): [ص: (ثم الطواف لهما سبعًا) ش: هذا معطوف على الإحرام في قوله: وركنهما الإحرام، ويعني أن الركن الثاني من الأركان التي يشترك فيها الحج والعمرة: الطواف، فإن الطواف ركن في العمرة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 11): [العمرة ليس فيها طواف قدوم، وإنما فيها طوافٌ واحدٌ يقال له: طواف الفرض وطواف الركن] اهـ.

وجاء في "الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل" للعلامة الحجاوي (1/ 398، ط. دار المعرفة): [وأركان العمرة: الإحرام والطواف والسعي] اهـ.

بيان حكم طواف التحلل في فوات الحج
خامس أنواع طواف النسك: طواف التحلل في فوات الحج:

وهو من أعمال العمرة التي يتحلل بها في فوات الحج.

وحكمه: الوجوب للتحلل.

جاء في "الفتاوى الهندية" (1/ 256، ط. دار الفكر): [مَن أحرم بالحج فرضًا كان أو منذورًا أو تطوعًا، صحيحًا كان أو فاسدًا سواء طرأ فساده أو انعقد فاسدا كما إذا أحرم مجامعًا وفاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر مِن يوم النحر فقد فاته الحج، وعليه أن يطوف ويسعى ويتحلل ويقضي من قابل ولا دم عليه، كذا في "الهداية"] اهـ.

وقال الإمام ابن رشد الجد في "البيان والتحصيل" (4/ 41، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال ابن القاسم: فيمَن دخل فحج فطاف وسعى ثم أحصر حتى فاته الحج، قال: يطوف ويسعى مرة أخرى ولا يخرج إلى الحِلِّ. قال محمد بن رشد: إنما قال: إنه يطوف ويسعى مرة أخرى؛ لأن طوافه الأول وسعيه إنما كان للحج قبل أن يحصر، فلا بد له من طوافٍ وسعي ليحل به من إحرامه إذ لا يتحلل منه إلَّا بعمرة] اهـ.

قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 286-287): [(أما) الأحكام: فإذا أحرم بالحج فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر؛ فقد فاته الحج بالإجماع، ويلزمه أن يتحلل بأعمال عمرة، وهي: الطواف، والسعي، والحلق؛ (فأما) الطواف: فلا بد منه بلا خلاف، (وأما) السعي: فإن كان سَعَى عقب طواف القدوم كفاه ذلك ولا يسعى بعد الفوات.. وإن لم يكن سعى وجب السعي بعد الطواف، هذا هو المذهب.. قال أصحابنا: وإذا تحلل بأعمال العمرة لا ينقلب حجه عمرة، ولا تجزئه عن عمرة الإسلام ولا تحسب عمرة أخرى، هذا هو المذهب والمنصوص، وبه قطع الأصحاب] اهـ.

قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 454، ط. مكتبة القاهرة): [مَن فاته الحج يتحلل بطوافٍ وسعي وحلاق، هذا الصحيح من المذهب. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين، ومروان بن الحكم، وهو قول مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي] اهـ.

القسم الثاني من أقسام الطواف هو طوافٌ ليس بنُسُكٍ، وهو أنواع، وكلُّ نوعٍ له حكمه.

وأول أنواع الطواف الذي ليس بنُسُكٍ: طواف النذر:

مفهوم طواف النذر وبيان حكمه
وهو: ما يفعله الناذر وفاءً لنذره بطواف بيت الله.

وحكمه: أنه واجب على ناذره؛ لأن الناذر أوجبه على نفسه بنذره إياه، ولا يختص بوقت معيَّن ما لم يعين الناذر في نذره له وقتًا.

قال الله تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: 29]، وقال تعالى في بيان صفات الأبرار: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: 7].

وعن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن نَذَرَ أَن يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَن نَذَرَ أَن يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

مفهوم طواف تحية البيت وبيان حكمه
ثاني أنواع الطواف الذي ليس بنُسُكٍ: طواف تحية البيت:

وهو: الذي يفعله المسلم أول دخوله البيت العتيق، إلَّا إذا كان عليه طواف آخر، فيقوم مقامه؛ كالمعتمر، فإنه يطوف طواف فرض العمرة، ويندرج فيه طواف تحية المسجد، كما ارتفع به طواف القدوم، وهو أقوى من طواف تحية المسجد، وذلك لأن تحية البيت الحرام هي الطواف إلا إذا كان ثمة مانع فحينئذٍ يصلي تحية المسجد، فهو طواف مخصوص بوقت وسبب.

وحكمه: أنه مستحب لكلِّ مَن دخل المسجد الحرام؛ تحيةً للبيت العتيق.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه -في قصة فتح مكة- قال: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ إِلَى الْحَجَرِ، فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (12/ 129، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه: الابتداء بالطواف في أول دخول مكة؛ سواء كان مُحْرِمًا بحجٍّ أو عمرةٍ، أو غير مُحْرِمٍ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخلها في هذا اليوم وهو يوم الفتح غير مُحْرِمٍ بإجماع المسلمين، وكان على رأسه المِغْفَر، والأحاديث متظاهرة على ذلك، والإجماع منعقد عليه] اهـ.

قال الإمام الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (2/ 69): [ص: (وتحية مسجد مكة الطواف) ش: يعني أنَّ مَن دخل مسجد مكة، يعني: المسجد الحرام؛ فتحية المسجد الحرام في حقه: الطواف بالبيت، وهذا في حق القادم المحرم، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم إن كان محرمًا بحج أو قِرَان، وبطواف العمرة إن كان محرمًا بعمرة، وبطواف الإفاضة إذا دخله بعد الرجوع من عرفة، ولا يُطلَب منه الركوع عند دخوله، وكذلك غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله فتحية المسجد في حقه الطواف، ولا يطلب منه حينئذٍ الركوع] اهـ.

وقال الشيخ البُهُوتِي في "كشاف القناع" (2/ 477، ط. دار الكتب العلمية): [(وتحية المسجد) الحرام (الصلاة وتجزئ عنها الركعتان بعد الطواف)، وهذا لا ينافي أن تحية المسجد الحرام الطواف؛ لأنه مجمل وهذا تفصيله، (فيكون أول ما يبدأ به الطواف) لما تقدم، (إلا إذا أقيمت الصلاة، أو ذكر فريضة فائتة، أو خاف فوات ركعتي الفجر أو الوتر، أو حضرت جنازة؛ فيقدمها عليه) أي: الطواف؛ لاتساع وقته، وأَمْنِ فواته (ثم يطوف) إذا فرغ من صلاته تلك] اهـ.

مفهوم طواف التطوع وبيان حكمه
ثالث أنواع الطواف الذي ليس بنُسُكٍ: طواف التطوع:

وهو: الذي يفعله المسلم لغير نُسُكٍ ولا نذر ولا سبب مخصوص، ولا يختص بزمان، بخلاف سابقه، بل ويجوز في أوقات الكراهة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، يفعله المسلم تحصيلًا للثواب، وتقربًا لله عزَّ وجلَّ، وابتغاء مرضاته، فهو من أجلِّ العبادات وأعظمها، وأفضل القربات وأرفعها.

وحكمه: أنه مستحب.

ودليله: قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158].

قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل" (1/ 115، ط. دار إحياء التراث العربي) في تفسير الآية: [﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾؛ أي: فعل طاعة فرضًا كان أو نفلًا، أو زاد على ما فرض الله عليه من حجٍّ أو عمرةٍ، أو طوافٍ أو تطوعٍ بالسعي إن قلنا إنَّه سنة.. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ مثيب على الطاعة لا تخفى عليه] اهـ.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن طَافَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمًا، وَلَمْ يَقَعْ لَهُ أُخْرَى؛ إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَحُطَّتْ عَنهُ خَطِيئَةٌ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ» أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، وابن أبي شيبة في "المصنف".
وعن الحَجاج بن أَبي رُقَيَّةَ قال: كُنتُ أَطُوفُ بِالبَيْتِ، فَإِذَا أَنَا بِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَبِي رُقَيَّةَ، اسْتَكْثِرُوا مِنَ الطَّوَافِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَن طَافَ بِهَذَا البَيْتِ حَتَّى تُوجِعَهُ قَدَمَاهُ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ تَعَالَى أَن يُرِيحَهُمَا فِي الْجَنَّةِ» أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة".